أعمدة الرأي

جمال النحاس عاشق الحقيبة المستهام كتبها عماد خالد حاج علي

جمال النحاس

عاشق الحقيبة المستهام

كتبها عماد خالد حاج علي

فجعنا في شهر يونيو الجاري برحيل الفنان المخضرم جمال النحاس ، عاشق الحقيبة حد الثمالة المستهام بها والمتبتل في محرابها .
حينما كان يشدو بصوته العذب الوسيم الملامح المسكون بالجمال والدفء ، كنت اصغي إليه مليّاً ، وكنت حينها تلميذاً في المدرسة الإبتدائية بأمبدة الجميعاب الحارة الثانية وهي التي تضم في كنفها سلسلة متوهجة متفردة من مبدعي بلادي ، حيث الفنان عبدالعزيز المبارك وعازف الكمان أحمد المبارك وآسامة المبارك والزين المبارك ، إلى جانب الفنانيين المبدعين الحاليين ، على غرار الفنان عبدالكريم أبوطالب ، الفنان عاطف السماني ، ضياءالدين السر ، محمد تبيدي ، ..
حينما يأتي الحديث عن جمال ، يكون للكلام طعم آخر بمذاق الشهد .

وإن كان للإنسان من إسمه نصيب ، فجمال كان كل الجمال ،
تجده مع الصغير والكبير ، بشوش المحيا ، متواضع حد الدهشة ،
لا يمر يوم دون أن نلتقي ،
وحينما تحول بيننا أسباب التلاقي ، لا يسكن الفؤاد من الشوق الجارف الذي يتملكه .
لا نتخير مكاناً بعينه لأسمارنا ، ولا نظل تحت أغلال وقيود بؤرة واحدة لكيما نتعاطى فيها أحاديثنا الحلوة العذبة ، وإنما هي جماع أمكنة شهدت جلساتنا الطيبة.
لا يبخل علينا بما حباه الله من موهبة فذة بأن ينثر من رحيق درر الحقيبة الخالدة بصوته الخرافي المدهش، لتملأ أرجاء المكان كل مفردات الجمال الخرافي وتسري السعادة والنشوى في أرواحنا وتضج قلوبنا فرحاً وهي طربانة ونشوانة.
بل والأجمل من ذلك يكون أستاذ جمال مستمتعاً أيّما استمتاع وهو يشدو لنا بأعذب الأغاني وأحلاها …
فتارة يغني صباح النور عليك يا زهور ، ثم قائد الأسطول ، وتارة أخرى أنة المجروح ،
فيحلق بنا في سماوات رحيبة خصيبة حيث لا أمنيات تخيب ولا كائنات تمر .
تجده مع أستاذ وحيد علي عبدالمجيد ، الصحفي والأديب أو الشاعر المرهف أبوالمكارم علي طالب الله وبقية العقد الفريد…
مشارك بفعالية في كل نشاط يستدعى إليه ، فيقدم الكثير الكثير دون أخذ أجر ودون مَنٍ أو أذى ،
عاشق حد النخاع للفنان الكبير عبدالعزيز محمد داؤود ، ويتحفنا بتصنيف أصوات الفنانين والمذيعين ، ويتألم جداً من الذين يتغنون بالحقيبة ويخطئون في نطق كلماتها ، ويقول لي دوماً أن شعر الحقيبة جوهره الروح والتغني للروح ،،،كما كان يحدثني كثيراً عن المسكوت عنه في الفن السوداني ،،،
في شهر مايو الماضي ، التقاني في سوق فور في الحارة الأولى بأمبدة حيث لاحظ أنني أقوم بشراء الفطور من السوق فما كان منه إلا أن عاتبني عتاباً شديداً وقال لي : يا عماد البيت بيتك حبابك عشرة البيت بيتك تعال افطر معاي .. يقول ذلك رغم ضيق ذات اليد لكنه كان رجلاً كريماً ، مضيافاً ، عفيف النفس واللسان ، ولم يكن ذلك غريباً عليه لأنه رجل سوداني أصيل بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى .

الغالي العزيز جمال النحاس

كم افتقدك كثيرا أيها الغالي النبيل ..
كم افتقد حديثك العذب ونقاشك الهادف اليانع النضير ،
كم افتقد ضحكتك الطيبة الجميلة التي تحتفي بها كل الأمكنة وتعطر الأجواء طيباً وعبقاً وعطراً ،
كم تفتقدك الحارة الثانية وأم در الحبيبة والسودان بأسره لأنك رقم ضخم في سماء الفن السوداني الأصيل ،

أسأل الله سبحانه وتعالي أن يرحم العزيز الغالي جمال النحاس ويسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً ، إنا لله وإنا إليه راجعون .

عماد خالد حاج علي
٤ يونيو ٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى