أعمدة الرأي

مدني ..عندما تكتمل الصورة…. بقلم/ صلاح دندراوي

نقطة ضوء

نقطة ضوء

 

مدني ..عندما تكتمل الصورة

 

بقلم/ صلاح دندراوي

 

حقيقة كان لسقوط مدني دوي هائل، وإستباحتها من قبل المليشيا وقع مؤلم على كل أهل السودان لما تمثله مدني من قيمة في كافة المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية والرياضية والاجتماعية، لذا كان عصيا على النفوس إستقبال هذا الوقع، والذي شكل حافزا ودافعا أكبر لدى الدولة والخلص من أبنائها في أن تعود عروس المدائن إلى مستقرها لتمارس دورها المنشود في كافة المجالات التي ذكرناها.

وبالفعل بعزيمة الرجال وتضحيات الأبطال عادت مدني رغم الجراح التي إعتور جسدها، إلا إنها عادت شامخة ندية كما كانت، تنفض عن كاهلها غبار التآمر..

ورغم الدمار والتخريب الكبير الذي طال كل شئ في مرافق الدولة والمؤسسات والمستشفيات والكهرباء والمياه، فضلا عن كثير من الأرواح التي إزهقت والأسر التي شردت والبيوت التي نهبت، رغم كل تلك المآسي والأحزان، إلا أنها إستطاعت إن تلملم جراحها وتكفكف دموعها ويعود أهلها إليها تتقدمهم إهزوجة ندى القلعة:

الليلة عرسك يا الجزيرة

وبالفعل كانت تلك العودة الندية والإستقبال الحافل من حكومة الولاية والقابضين على جمر الإنتظار، حيث شكل التلاقي لوحة من صفات أهل السودان الندية القائمة  على التلاحم والتراحم، فسالت مشاعر الناس جداول، وإختلطت دموع الرجال الغالية بزغاريد النساء الفرحة بالعودة إلى الديار، وأبواق العربات التي تحمل العائدين بكل مشاعرهم الجياشة تلك ما تنفك تعلن عن مقدمها..

نعم قد يكون الجميع فوجئ عند دخولهم الديار بأن كل مقتنياهم قد نهبت من قبل إولئك المجرمين، ولكن رغم ذلك يسكنهم اليقين بأن كله سيعوض بإذن الله، وإن رجوعهم لديارهم لا يضاهيه أي شعور لاسيما وأن كثير من هؤلاء قد عانوا الإمرين في هجرة النزوح وتذوقوا العلقم ليدركوا أن لا راحة لهم ولا عز إلا في ديارهم وبين إحضان أهلهم.

أن مدني التي كان يسكنها البوم ويلفها السكون ويحيط بها الدمار من كل جانب، ها هي في زمن وجيز عادت من جديد تنبض بالحياة حيث دبت الحركة والنشاط بالشوارع، وعادت الحياة للأسواق، وعلت الوجوه الفرحة وعادت لمدني إبتسامتها الساحرة، وعاد الإمن والأمان وتدفقت المياه في شرايين المواسير لتعود مدني وتعود لها الحياة. وعزم حكومة الولاية ولجنتها الأمنية ما تنفك تطارد في الخدمات وإرساء الأمن وتوفير المتطلبات حتى يهيئوا للناس ظروف الحياة الآمنة المستقرة، فجعلوا يتفقدون المنشآت ويقفون على آثار الدمار ويعملون على تأهيله وصيانته فعادت المياه وتلتها الكهرباء، وأعملت النظافة، وتأهلت المستشفيات  وبث فيها من الكوادر والأدوية، وفتحت المدارس، وعادت الشرطة والنيابات والمحاكم وعادت المواصلات لتعود الحياة، ووالي الجزيرة،ولجنته الإمنية ما أن بصبح عليهم صباح إلا وتجد وفودهم تولي وجوهها شطر أصقاع الولاية وحلالها يقفون على الإوضاع ويتحسسون مشاكل المواطنين ويشرعون على الفور في علاجها، إنه تناغم كبير بين إجهزة الولاية وحماس دافق لإعادة كل شئ إلى ما كان عليه إن لم يكن للأحسن.

بل حتى الرياضة والثقافة كان لها نصيب من هذا الإهتمام، ووالي الجزيرة والمعنيين بالأمر يسجلون زيارة لبعثة فريق الأهلي مدني العائد من المشاركة في بطولة الممتاز والنتائج الباهرة التي حققها النادي في مجموعة عطبرة، فكان ذاك اللقاء الحي بين الوفد والنادي من ادارة ولاعبين وتهنئة لهم بتلك النتائج في ذاك الظرف التي مرت به الولاية، وصوت الجزيرة المتمثل في الإذاعة والذي حاولوا أن يخنقونه، ها هو بعد مجهود خرافي ينطلق معلنا ( هنا اذاعة ود مدني) لينطلق في فضاء السودان العريض مبشرا بغد واعد ينتظر الولاية..

إن حالة الحراك التي تشهدها ود مدني بعد إستردادها من قبضة التمرد تؤكد عظمة هذا اليلد وقيادته وجماهيره و هذا التفاعل والتلاحم الكبير والذي حتما سيفضي إلى واقع ينشده الجميع.

نعم قد يكون الدمار واسع والخراب كبير والموارد محدودة والمأمول غزير إلا أن العافية درجات، ولا تتحقق الأحلام إلا بتضافر الجهود وتلاحم السواعد وزيادة الإنتاج…

إنها قراءة عابرة لواقع تشهده عروس المدائن مدني بعد أن إغتسلت من درن التمرد الذي حاول أن يقتل فيها الحياة ولكنه ما درى أن النار تزيد المعدن النفيس جلاء ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى