⭕ مسارب الضي – حسين خوجلي يكتب: قرى الجزيرة الجريحة ما بين دم عثمان و دم ابن ضابئ والي الجزيرة: الشهداء تصدوا لأكبر مؤامرة ضد البلاد
هاتفني أحد المعارف النازحين من الجزيرة المكلومة بحلفا الجديدة لائذا بها من شرور الاستباحة والقتل والنهب والاغتصاب وبعد أن حكى لي عن رحلتهم المضنية وأسرته، التي كان أغلبها سيراً على الأقدام، وفيها الكثير من تفاصيل الأهوال والمصاعب التي لا يحتملها بشر، وفي تأثر بالغ ومحزن قال لي: إن قريتهم المسالمة التي تأسست من قبل مائة عام لم يدخلها شرطياً قط في جناية، ولم يذهب مواطن واحد من ساكنيها إلى المحكمة مقاضياً. وأن السلاح الوحيد الذي يمتلكه أهل القرية هي المدية والفاس، الأولي لذبح خراف القِرى والضيوف، والثانية للاحتطاب. وهنالك بندقية صيد وحيدة مرخصة عند العمدة تستعمل غالباً في مناسبات الزواج حيث تطلق بعض الرصاصات بغرض الإشهار.
وبرغم الشجاعة والنخوة والمناصرة للضعيف إلا أن الإلتزام الصارم لهذه القرية والأخريات منعتهم من اقتناء الأسلحة والقنابل والقاذفات. وحين دعا داعي الوطن لمنازلة الاستعمار منذ المهدية عبوراً بكل مراحل التمرد، وحراسة الثغور قدمت هذه القرية المنكوبة، بل قدمت الجزيرة الآف الشهداء وما زالت قادرة على ممارسة هذه الموهبة المهيبة.
الأمر الذي لا يعلمه هؤلاء البغاء المرتزقة والخونة والقتلة واللصوص، بأن كل قرية من هذه القرى الوادعة التي اقتحموها أسست على تقوى ووطنية، بئر وشيخ وخلوة، وقد نسي هؤلاء وتناسوا أن هذه القرى آوتهم قديماً، ومنحتهم الأرض والماء والأخوة الصادقة، وفتحت أمامهم القلوب، مثلما فتحت الخلاوي والمساجد والمدارس، تلك المعاهد التي تخرج منها قادة هذه العصابات الباغية، ولكن متى أفرغت الذئاب من دمها حيل الخيانة والتهام الذين أرضعوها حليب النماء والحياة.