أعمدة الرأي

⭕ مسارب الضي السودان بين المحاصصة والمشروع الوطني: الحاجة إلى تأسيس جديد د. محمد تبيدي

⭕ مسارب الضي
السودان بين المحاصصة والمشروع الوطني: الحاجة إلى تأسيس جديد

د. محمد تبيدي

في لحظة تاريخية فارقة، يقف السودان على مفترق طرق، بين دولة تُبنى على قواعد راسخة من الحكم الرشيد، ودولة اثقل كاهلها المحاصصات السياسية والترضيات القبلية والحزبية في السابق. وفي ظل هذا الواقع المضطرب، تبرز الحاجة الملحّة لمشروع تأسيسي وطني يضع أسس دولة القانون والمؤسسات، ويُعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة. لقد أثبتت التجربة السودانية خلال العقود الماضية أن المحاصصة لم تكن سوى وصفة للفشل والانقسام، إذ قادت إلى شلل مؤسسي، وضعف في الأداء التنفيذي، وتآكل الثقة بين المواطن والحكومة. المطلوب اليوم ليس توزيع السلطة بين مكونات سياسية أو جهوية، بل إقامة نظام حكم يقوم على الكفاءة والمساءلة، لا الولاء والانتماء. والحكم الرشيد لا يعني فقط إدارة جيدة للموارد، بل يبدأ من احترام الوثيقة الدستورية ، وضمان استقلال القضاء، وحرية الصحافة، وشفافية الموازنة العامة. إنه نظام يُمكّن المواطن، ويُخضع المسؤول للمحاسبة، ويمنع تركيز السلطة في يد قلة. ومن هنا، فإن المشروع التأسيسي المنشود يجب أن يرتكز على عدة محاور رئيسية:

▪️دستور توافقي مرن وشامل:
لا بد من صياغة دستور دائم يُعبّر عن تطلعات الشعب السوداني، ويُحدّد صلاحيات كل سلطة بوضوح، ويضمن المساواة والعدالة الاجتماعية، ويُحافظ على وحدة البلاد مع احترام التنوع الثقافي والعرقي والديني.

▪️إصلاح مؤسسات الدولة
إعادة هيكلة المؤسسات السيادية والتنفيذية لتكون فاعلة، شفافة، وقائمة على الكفاءة لا الولاءات. يشمل ذلك:
– استقلال القضاء: حماية القضاة من التدخلات السياسية وتوفير البيئة المناسبة لأداء واجبهم.
– إدارة الخدمة المدنية: اختيار موظفي الدولة على أسس مهنية صارمة بعيدًا عن المحاصصة.
– جهاز رقابي مستقل: لرصد الأداء الحكومي ومكافحة الفساد.

▪️مكافحة الفساد والاحتكار
الفساد ليس مجرد تجاوزات فردية بل نظام موازٍ ينخر مفاصل الدولة. يجب إنشاء مؤسسات رقابية مستقلة تمتلك سلطات فعلية، ونشر تقارير دورية عن الأداء المالي، وتفعيل قوانين مكافحة الفساد دون تمييز.

▪️تطبيق اللامركزية وتمكين الحكم المحلي
الانتقال إلى نموذج حكم لا مركزي يضمن توزيعاً عادلاً للثروة والسلطة، ويمنح الأقاليم الصلاحيات اللازمة لإدارة شؤونها وفقاً لأولوياتها، مع رقابة فعالة من المركز.

▪️خطة تنموية وطنية عادلة
لا يمكن بناء دولة بدون مشروع اقتصادي يعالج التفاوت التنموي ويُفعّل القطاعات الحيوية مثل الزراعة، والصناعة، والتعليم، والصحة. الخطة يجب أن تكون شاملة، تراعي العدالة الاجتماعية، وتُركز على المناطق المهمّشة.

▪️مشاركة شعبية حقيقية
لا يُمكن أن ينجح أي مشروع دون انخراط المواطنين في رسم السياسات. لذلك يجب تفعيل أدوات المشاركة الشعبية من خلال المجالس المحلية، والحوارات المجتمعية، واستفتاءات القرارات المصيرية.

▪️السودان بعد الحرب فرصة لا تُعوّض
هذه لحظة السودان التاريخية لإعادة البناء على أسس صحيحة. مشروع وطني تأسيسي، لا يقوم على صفقة بين النخب، بل على عقد اجتماعي جديد يُحترم فيه المواطن، وتُكرّس فيه القوانين، وتُحتَرم فيه المؤسسات. فالحكم الرشيد ليس رفاهية سياسية، بل ضرورة لبقاء الدولة واستقرارها وتحقيق التنمية المستدامة.

الطريق ليس سهلاً، لكنه ممكن، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والرؤية الوطنية الجامعة والمؤسسة العسكرية رمز الأمان وسيادة الدولة.

وانا سأكتب للوطن حتى أنفاسي الأخيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى