
⭕ شبكة مسارب الضي الإخبارية : أسباب النصر الحقيقية
بقلم: شذى شيخ محمد
إن المتابع لحرب الكرامة منذ بدايتها يوقن تمامًا أن لطف الله كان حاضرًا في كل صغيرة وكبيرة، وأن عنايته بنا كانت أقوى من كل عدة وعتاد.
لقد كان عدد الدول التي ساهمت في هذه الحرب، وكمية الأسلحة والعتاد الحربي التي أُتيحت للمليشيا – التي لم تكن سوى أداة لغزو خارجي مكتمل الأركان – كفيلًا بجعل السودان على شفا الانهيار. لكن رحمة الله بالشعب الصابر الصامد كانت أشمل وأوسع وأعظم من كل جبروت وطغيان.
كانت المليشيا، تحت إشراف القوى الغازية، تُعد العدة منذ زمن طويل، مستقدمةً المرتزقة من كل حدب وصوب، ولم تبخل “دويلة الشر” في مدها بكل أنواع العتاد والسلاح، ما خَطَر على البال وما لم يَخطر. وظنّ قائد المليشيا الإرهابية أنه قد أحكم قبضته على السودان، فانخدع بالأماني والوعود الزائفة حتى صدّق نفسه وصار يردد بكل وقاحة مطالبته لقائد الجيش بالاستسلام! لكنه لم يدرك أن الباطل لا يغني عن الحق شيئًا.
راحت المليشيا وداعموها يبثّون سمومهم، ساخرين من الشعب السوداني وجيشه، واصفين قوات الشعب المسلحة بالضعف والهوان! ولم يعلموا أن “جلد الجيش تخين ولحمه مرّ”.
لم يلتفت الجيش إلى هذه الادعاءات، بل مضى وفق خطة محكمة وضعها قادته، خريجو “مصنع الرجال وعرين الأبطال”، معتمدين على “سياسة الحفر بالإبرة”. وبينما كانت المليشيا وجناحها السياسي وداعموها يضحكون ساخرين، كانت تلوح في الأفق مشاهد مشابهة لقصة سيدنا نوح عليه السلام، حين أمره ربه بصنع الفُلك، فأطاع أمره وأخذ في بناء السفينة. وكلما مر عليه قومه، سخروا منه قائلين: “يا نوح، صرت نجارًا بعد أن كنت نبيًا؟!” ولم يعلموا أن الطوفان سيجرفهم جميعًا، إلا من ركب السفينة. وهكذا دائمًا، يغتر أصحاب الباطل بباطلهم، وتعمى بصائرهم، ولا يفيقون إلا بعد أن تحيق بهم دوائر سوء أعمالهم.
خاض الجيش، ومن خلفه شعبه، حرب الكرامة في ظروف بالغة الصعوبة، ولم يكن هناك تفسير لما تحقق من انتصارات إلا عناية الله! فبحسابات العتاد والعدة، كانت الكفة تميل لصالح العدو. نحن دولة واحدة في مواجهة تحالف دولي واسع، حتى في عدد الجنود، كان الفرق شاسعًا، لكن الجندي الواحد في جيشنا يساوي جيشًا بأكمله من المليشيا. لذا، لم يكن غريبًا أن ينجح جندي واحد في تشتيت كتائب كاملة من المرتزقة، أو أن تصدّ مجموعة من الحرس الرئاسي آلاف المسلحين المدججين بأحدث الأسلحة، أو أن تتحطم أسطورة “آل دقلو” على أبواب المدرعات وسلاح المهندسين.
وعليه، ينبغي علينا جميعًا أن نحمد الله عند كل نصر، وألا نغتر، خاصة بعد أن أصبح جيشنا أقوى آلاف المرات مما كان عليه في السابق. فقد نصر الله المسلمين في غزوة بدر وهم في حالة ضعف وقلة، فقال تعالى: “وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ” (آل عمران: 123). وهذا التعبير القرآني العميق يعكس الضعف الظاهري الذي كانوا فيه، ليؤكد أن النصر لا يتحقق إلا بفضل الله، وأنه متى ما تمسك المسلمون بدينهم وأطاعوا ربهم، أعزّهم الله، وإن ابتغوا العزة في غيره، أذلهم. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره، أذلنا الله”.
لذا، علينا ألا نغتر، وألا ننشغل بأمور تضعف عزيمتنا وتشتت صفوفنا، فالمعركة، وإن كانت في خواتيمها، إلا أنها لا تزال تتطلب الحذر واليقظة حتى يكتمل النصر، وتُطهَّر كل شبر دنسه العدو.
إن في غزوة أحد، رغم النصر الأولي للمسلمين، أدى التفاف المشركين إلى هزيمتهم بسبب مخالفة الرماة للأوامر، إذ نزلوا من الجبل قبل انتهاء المعركة، طمعًا في الغنائم، رغم أن النبي ﷺ أمرهم بوضوح قائلًا: “إن رأيتمونا نهزمهم، فلا تعينونا، وإن رأيتموهم يظهرون علينا، فلا تعينونا، وإن رأيتمونا تُخطفنا الطير، فلا تغيثونا”. لكنهم خالفوا الأمر، فجاء العقاب شديدًا، حيث استُشهد سبعون من خيرة الصحابة، ومنهم حمزة بن عبدالمطلب، ومصعب بن عمير، وعبدالله بن جحش، وغيرهم، كما جُرح النبي ﷺ، وسالت دماؤه الشريفة، بل أُشيع أنه قُتل، ففرّ بعض المسلمين حتى المدينة!
هذه الأحداث العظيمة تُعلمنا درسًا مهمًا: النصر الحقيقي لا يكتمل إلا بالثبات والطاعة والانضباط، فلا مجال للتراخي أو الانشغال بالمكاسب قبل إتمام المهمة.
إلى جنودنا البواسل:
آواكم الله، وأيدكم، وثبّتكم، وحفظكم، ونصركم نصراً مؤزراً.