
شبكة مسارب الضي الإخبارية
في زخم الألم، يولد الوفاء. وفي زمن الجراح المفتوحة، تُثمر المبادرات التي تحفظ الودّ وتُقدّر المواقف، وتعرف أن للفرح توقيتاً، وللتكريم مقامات. وعندما قررنا في مبادرتنا أن نحتفي بدولة قطر الشقيقة، لم يكن ذلك خفّةً بالمصاب ولا تناسياً للآلام، بل عرفاناً بجميل لا يُنسى، وشكراً لدورٍ لا يُحصى.
سألنا البعض: “هل سيكون الاحتفال بتكريم قطر قريباً؟”، فقلنا نعم، قريباً جداً. لكنهم عادوا يسألون: “كيف سيكون؟ وهل يليق بحجم قطر؟”، فقلنا: قطر لا تليق بها احتفالية عادية، ولكن الزمن ليس عادياً، والفاشر تحت الحصار، وزمزم تنزف، وقلوبنا هناك..
نحن لا نحتفل اليوم احتفالاً صاخباً، ولا نرفع الزينة دون أن نُبقي جزءاً من قلوبنا مع إخوتنا في دارفور. نحن نحتفل لنقول لقطر: شكراً رغم الألم. نكرمها بطريقة تحفظ مكانتها الكبيرة، وتقدّر أيضاً مشاعر أهلنا في زمزم والفاشر والخرطوم. لقد كان شعارنا يوماً “يا عنصري ومغرور، كل البلد دارفور”، وما زال دارفور تسكن في ضميرنا الجمعي، لا يهنأ لنا فرح إلا بتحريرها، ولا تكتمل فرحتنا إلا بزوال هذا الحصار الغاشم.
قطر كانت وما زالت سنداً للسودان، وداعماً حقيقياً لقضاياه في أصعب المواقف. ولهذا، كان لا بد من أن نتوقف عند هذا العطاء المتواصل، ونقول كلمة تقدير. ولكننا نقولها ونحن نحمل في صوتنا حشرجة الحزن، وفي قلوبنا رجاء النصر.
اللجنة المنظمة للاحتفال ضمت كل أطياف السودان، بما فيهم إخوتنا في دارفور، الذين أصروا على أن لا نغفل هذا التكريم، وأكدوا على أهمية أن نوصل رسالة الحب والامتنان لقطر، مع الاحتفاظ بحق الحزن النبيل على ما يجري في الفاشر.
وسنحتفل، نعم، ولكن احتفالنا مؤجل في القلب إلى أن تتحرر الفاشر، وتعود دارفور كما عهدناها، حرة كريمة آمنة. عندها، سيكون لقطر معنا فرح أكبر، واحتفال لا يشبه سواه، مهرجاناً يليق بها وبنا وبانتصار الحق على القهر.
ولحين ذلك، نقول لقطر: شكراً من القلب. وسنظل ممتنين، وإن جاءت لحظات الفرح ممزوجة بالدمع والدعاء، فذاك حال الأوفياء في زمن الجراح.