
مسارب الضي
د. محمد تبيدي
زامر الحي الذي أطرب
جمال النحاس، رائد الغناء الشعبي في السودان
في أزقة أم درمان، حيث تتعانق الأصالة مع الحداثة، وُلد صوتٌ لا يشبه سواه، صوتٌ حمل عبق التراث، وعبّر عن نبض الحياة. إنه جمال النحاس، زامر الحي الذي أطرب، والفنان الشعب الذي غنّى لهم، ومنهم، وبهم وجدد اغاني الحقيبة.
النشأة والبدايات: من رحم الحي وُلد اللحن
وُلد جمال النحاس في حي العرب بأم درمان، حيث تتعانق الأصالة مع الحداثة، ويتنفس الناس الفن كما يتنفسون الهواء. في هذه البيئة الغنية بالتراث، تشرب النحاس من ينابيع الغناء الشعبي، وتأثر بأغاني الحقيبة والموسيقى التي كانت تُردد في المناسبات والأفراح. هذا التأثير المبكر شكّل قاعدة صلبة لموهبته، مما مكنه من تطوير أسلوبه الخاص الذي يمزج بين الأصالة والحداثة.
المسيرة الفنية: صوت الشعب ولسان حاله
بدأ النحاس مسيرته الفنية في فترة شهدت فيها الساحة الفنية السودانية نشاطاً ملحوظاً، حيث كانت الأغاني الشعبية تحظى بانتشار واسع. تميز بصوته القوي وأدائه الصادق، مما أكسبه شهرة كبيرة بين جمهور الغناء الشعبي. شارك في العديد من البرامج التلفزيونية والإذاعية، وكان له حضور بارز في المناسبات الوطنية والاجتماعية.
لم يكن النحاس مجرد مغنٍّ، بل كان ناقلًا لنبض الشارع، ومعبّراً عن هموم الناس وأفراحهم. غنى للحب والوطن، للعمل والفرح، وكان صوته مرآةً تعكس واقع المجتمع السوداني.
الإسهامات والإنجازات: توثيق التراث وتطويره
ساهم جمال النحاس في إثراء الساحة الفنية السودانية من خلال تقديمه لأغاني تعكس الحياة اليومية للمواطن السوداني، وتتناول موضوعات متنوعة مثل الحب، والعمل، والوطن. كما عمل على توثيق الأغاني الشعبية، مما ساعد في حفظ هذا التراث للأجيال القادمة.
كان النحاس حريصاً على نقل الأغاني الشعبية من جدران الحي إلى آفاق أوسع، فشارك في برامج تلفزيونية وإذاعية، وقدم حفلات في مختلف أنحاء السودان، مما ساهم في نشر هذا الفن وتعريف الناس به.
التحديات والركود الفني: صوتٌ لا يسكت
رغم النجاحات التي حققها، لم تكن مسيرة النحاس خالية من التحديات. ففي تصريحات سابقة، أشار إلى حالة الركود الفني التي يعيشها الوسط الفني السوداني، مرجعاً ذلك إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية المعقدة التي تمر بها البلاد. هذا الركود أثر على النشاطات الفنية، بما في ذلك تقليل عدد الحفلات والمناسبات الفنية.
لكن النحاس لم يستسلم، بل ظل صوته عالياً، ينادي بضرورة دعم الفن والفنانين، وإحياء التراث الشعبي، والحفاظ على الهوية الثقافية للسودان.
الإرث والتأثير: فنٌ خالد وصوتٌ لا يُنسى
يُعتبر جمال النحاس من أبرز الفنانين الذين ساهموا في نشر وتطوير الغناء الشعبي في السودان. ترك إرثاً غنياً من الأغاني التي لا تزال تُردد حتى اليوم، ويُعد قدوة للعديد من الفنانين الشباب الذين يسعون للحفاظ على التراث الموسيقي السوداني.
في الختام، يظل جمال النحاس مثالًا للفنان الملتزم بقضايا مجتمعه، والذي استخدم فنه كوسيلة للتعبير عن الهوية والثقافة السودانية. ورغم التحديات، فإن إرثه الفني سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة.
وانا سأكتب للوطن حتى أنفاسي الأخيرة