
حرب السودان: من الحصار إلى الانتصار
ملامح الصراع وتداعياته
شبكة مسارب الضي الإخبارية
بدأت الحرب في قلب السودان من مطار مروي، حيث استولت المليشيا المتمردة على المطار واعتقلت ضباطًا وضباط صف من الجيش المصري، الذين كانوا في دورة تدريبية، لاستخدامهم كدروع بشرية في محاولة لإجبار القوات على الانسحاب من الولاية الشمالية بعد فشل مخطط الاستيلاء على المطار.
استمر تمدد مليشيا آل دقلو في المدن المحيطة، فارضةً حصارًا خانقًا عطّل حركة المواطنين وأدى إلى شح السلع وجفاف الأسواق. كما أدى إلى نزوح السكان من مدينة الخرطوم نحو المناطق الآمنة، تاركين خلفهم ممتلكاتهم، لتبدأ عمليات نهب البنوك والمتاجر في الأسواق، إضافة إلى السطو على المناطق السكنية الخالية من السكان ومن الأمن. وفي ظل غياب الرقابة الأمنية، تصاعدت جرائم الاغتصاب والاعتقالات والنهب، حيث وثّقت مليشيا آل دقلو هذه الأفعال التي ارتكبها أفرادها.
في خضم هذه الفوضى، بدأت التعبئة الشعبية في المناطق الآمنة استجابةً لدعوة قائد القوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الذي دعا المتقاعدين وكل من يملك القدرة على حمل السلاح للالتحاق بأقرب وحدة عسكرية بهدف حماية أنفسهم وممتلكاتهم. وقد لقي النداء استجابة واسعة، مما أدى إلى اشتعال فتيل المقاومة الشعبية ضد المليشيا المتمردة، التي وصفت هذه التعبئة بعودة كتائب الجهاد الإسلامي وكتائب علي كرتي، الأمين العام للحركة الإسلامية، وإبراهيم غندور، رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول، معتبرةً ذلك استمرارية للفساد وتدمير البنية التحتية والممتلكات الحكومية والمدنية.
على الصعيد الدبلوماسي، انطلقت اتفاقية جدة برعاية الخارجية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن وفد الجيش انسحب منها بعد فشل تنفيذ مطالبه من قبل مليشيا آل دقلو، إذ رأى أن الاتفاق لا يحمل خيرًا للشعب السوداني. وخلال ذلك، تم خرق الهدن، مع تصاعد التحريض من بعض الأحزاب السياسية، بينما دعت قوى إعلان الحرية والتغيير إلى فتح المجال أمام المليشيا المتمردة، معتبرةً إياها الضامن للثورة التي أسقطت نظام الإنقاذ الإسلامي، ومطالبةً بعلمانية الدولة بدواعي الحرية والسلام والعدالة.
من جهة أخرى، اتخذت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا موقف الحياد، في حين دعمت بعض الفصائل المليشيا المتمردة، بينما وقفت فصائل أخرى إلى جانب القوات المسلحة. وعلى المستوى الدولي، دعمت بعض دول الجوار الأفريقية مليشيا الدعم السريع، حيث فتحت حدودها لاستقبال المرتزقة والعتاد العسكري، كما برز دور الإمارات العربية المتحدة في التعاون مع تشاد لدعم المليشيا المتمردة. وفي الوقت نفسه، أظهر الاتحاد الأفريقي والإيغاد دعمًا ملحوظًا لمليشيا آل دقلو، في حين التزمت جامعة الدول العربية ومعظم الدول العربية والإسلامية الصمت.
على الصعيد الميداني، لعبت المقاومة الشعبية دورًا فعالًا في حماية القرى والمدن والولايات، رغم تساؤلات المواطنين حول موقع الجيش. لكن القيادة العسكرية أوضحت أن لديها تكتيكات متطورة، حيث أطلق القائد العام مصطلح “الحفر بالإبر”، في إشارة إلى تقدم القوات بطريقة مدروسة تحافظ على الأرواح وتجنب استخدام المدنيين كدروع بشرية في مناطق سيطرة المليشيا.
حقق الجيش تقدمًا ملموسًا بتحرير أحياء أمدرمان القديمة، وذلك بفضل تضحيات الضباط والجنود الذين يُعدّون من خيرة أبناء الوطن. كما تم تحرير ولايات الجزيرة وسنار والخرطوم بحري والقصر الجمهوري، مع تحقيق تقدم ملحوظ في مناطق غرب أمبدة والفاشر بصمود القوات المشتركة. ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة تحرير ولاية الخرطوم بالكامل وباقي ولايات السودان.
في ختام هذا المشهد المعقد، يُعد الدعم الذي تتلقاه المليشيا المتمردة – سواء من بعض الدول المجاورة أو الفصائل السياسية الداخلية – تهديدًا خطيرًا للوحدة الوطنية. فقد أعلن مساعد القائد العام للقوات المسلحة، ياسر العطا، أن كل من ساند المليشيا المتمردة أو دعمها سيواجه ردًا حازمًا، وهو ما اعتبره محمد كاكا، رئيس دولة تشاد، إعلان حرب ضد بلاده، مما دفعه إلى منح الدبلوماسيين السودانيين مهلة 72 ساعة لمغادرة البلاد. وتأتي تصريحات الفريق أول ركن ياسر العطا في إطار خطوات تهدف إلى حماية سيادة السودان وضمان سلامة شعبه.
إن هذا المشهد المتشابك يُظهر مدى تعقيد الأزمة السودانية، مما يستدعي حلولًا جذرية وسياسات إصلاحية تعيد الاستقرار والأمن للوطن، بعيدًا عن الانقسامات والتحالفات التي لم تخدم سوى الأطراف المتصارعة وساهمت في استمرار النزاع.