أعمدة الرأي

كلمة ونص..سبناشعبان..حين يصغي المسئول قبل ان يتحدث…تجربة مختلفة مع منظمة الانقاذ الدولية

شبكة مسارب الضي الإخبارية

في صباحٍ مشبعٍ بالتطلعات،   صباح الاربعاء الماضي الموافق  ١٤ مايو ، قمنا بزيارة إلى منظمة الإنقاذ الدولية (International Rescue Committee) في مقرها بولاية القصارف، رافقتني خلالها الاستاذة  ندى عبودي، إحدى جارات النزوح حيث اقامتنا الإضطرارية في مركز إيواء قرية حنان بولاية القضارق ، وبصحبتها ابنتها ذات العشرة أعوام. لم تكن الزيارة رسمية أو مدفوعة بدعوة، بل كانت نابعة من دافع إنساني ورغبة حقيقية في عكس بعض الوقائع التي تشهدها القرية، ومقارنتها بما تقدمه المنظمة من خدمات، رغبةً في فهم حجم الحقوق التي يجب أن يتمتع بها النازحون، والسعي إلى المطالبة بها إن ثبت وجود قصور .

 

وإلى جانب ذلك، كان أحد الدوافع الرئيسية التي حفزتنا على القيام بهذه الزيارة، هو الضبابية والتعقيد في المعلومات التي وجدناها عند اللجنة المنبثقة من النازحين أنفسهم. في كل مرة نحاول فيها الاستفسار عن أمر يتعلق بحقوقنا أو ما يقدمه الشركاء من خدمات، كنا نصطدم بإجابات غائمة، أو لا نجد من يُجيب أصلًا. هذا الغموض زاد من قناعتنا بأننا بحاجة للذهاب إلى مصدر المعلومة مباشرة، والتحدث مع الجهة المسؤولة بكل وضوح وشفافية.

 

ما إن وصلنا إلى المقر، حتى استُقبلنا بحفاوة بالغة من قبل الطاقم، فوجدنا صدورًا رحبة وقلوبًا صادقة. في مكتب الاستقبال، تركنا الصغيرة بانتظارنا وهي تتأمل المكان بعينين مرهقتين، لم تمضِ دقائق حتى غاصت في نومٍ عميق، كأنها وجدت فيه طمأنينةً غابت عنها طويلًا. لم يكن مشهدًا عابرًا، بل كان دليل عافية ورسالة ضمنية بأن الدنيا لا تزال بخير، وأن هناك أماكن —رغم ضجيج الحرب— ما زالت تُشكّل مساحات آمنة تُرمم القلوب قبل أن توزع الإعانات.

 

دخلنا بعدها في اجتماع غير رسمي ترأسه المدير المكلف للمنظمة، ووجدنا فيه ما لم نكن نتوقعه: سعة صدر، وهدوءًا في الاستماع، وقدرة لافتة على امتصاص مشاعر الغضب التي حملناها، لا بغرض الهجوم، بل بدافع المساءلة الصادقة. الاصطفاف الإداري والفني القريب من مركز حنان أبدى تجاوبًا كبيرًا مع مبادرتنا، مما منح الزيارة عمقًا إنسانيًا أبعد من مجرّد لقاء.

 

وقد أظهر الفريق مهارات إنسانية عالية، وانضباطًا مهنيًا نادرًا في هذا الزمن الصعب، ما جعلنا نخرج برسالة عميقة مفادها أن المنظمات ليست مشروعات فقط، بل أرواح وكوادر لطيفة مدرّبة على الإصغاء، والتفاعل، والتحسس الحقيقي لمواطن الألم قبل إطلاق أي تدخل ميداني.

 

ولعل أكثر ما شدّني في هذا اللقاء هو أن إدارة المنظمة تمتلك من الجدارة والرؤية ما يجعلها مؤهلة فعلاً لتغيير كل التفاصيل غير المقبولة على أرض الواقع، بروح منفتحة تسعى للإصلاح لا التبرير، وتعمل على تحسين الأداء لا ستر العيوب.

 

وإن ما أكتبه هنا ليس مجرد تقرير صحفي، بل شهادة عايشتها، وترجمة لإحساس صادق شعرت به في كل لحظة من هذه الزيارة. كنت أتمنى لو أُتيحت لي الفرصة لمحاورة المدير المكلف شخصيًا، لنغوص معًا في أعماق شخصيته وننهل من فهمه وتجربته الإنسانية الشيّقة، التي لا شك أنها أثرت مسار المنظمة بشكل إيجابي.

 

وعند المقارنة، لا يسعني إلا أن أستحضر تجربة أخرى مع منظمة إنسانية شهيرة بمحور الشرق، حيث وجدنا تجاهلًا تامًا لأي محاولة تواصل أو شكوى، ورفضًا لفكرة الزيارة من الأساس، في سلوك غريب ينم عن انغلاق غير إنساني. هذا التباين الصارخ بين المؤسستين يجعلنا نقدّر أكثر روح الانفتاح والاستعداد للحوار التي لمسناها في منظمة ال IRC

 

في الختام، لا يسعني إلا أن أعبّر عن عظيم امتناني لمنظمة الإنقاذ الدولية في القصارف، التي منحتنا فرصة الشعور بالكرامة في زمنٍ صعب، وأكدت لنا أن العمل الإنساني ليس بعدد ما يُوزّع من مساعدات، بل بمدى احترام الإنسان والإنصات له بصدق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى