
كلمة ونص …سبناشعبان…
حملة صحية تأريخية بالقضارف … والوزير يتوارى خلف «صعوبة تجميع الأرقام لاعلان التكلفة»
شبكة مسارب الضي الإخبارية
في يوم الجمعة بتأريخ ٢٣ مايو الجاري توجهت راغبة لمعرفة الانجازات التي ألفت تواليها من وزارة الصحة لحضور التنوير الاعلامي لما وُصف بأنه من كبريات حملات تعزيز الصحة بولاية القضارف، أشار المدير العام للوزارة إلى أن الحملة (التغذيةالوقائية للاطفال والامهات)ستغطي جميع محلياتها المختلفة، في وقت تُصنَّف فيه القضارف بين أكثر الولايات تأثرًا بمؤشرات صحية خطيرة مثل سوء التغذية والأمراض المستوطنة. هذا الزخم منح الانطباع بأن الحملة مدروسة ومسنودة ماليًا ولوجستيًا، لا سيما إذا ما نظرنا إلى حجم الحملة المعلن، نجد أنها تستهدف ما يقارب 500 ألف طفل وأكثر من 330 ألف امرأة حامل، بمشاركة 2,238 فريقًا ميدانيًا على مستوى الولاية. مثل هذا الجهد، الموزع على أكثر من سبع محليات ويستمر لأربعة أيام، لا يمكن أن يكون بلا تكلفة معتبرة. فحتى في الحد الأدنى، وبافتراض صرف ميداني بسيط على الفرق، والإمدادات، والتشغيل اللوجستي، فإن الميزانية المقدرة قد تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات، إن لم تكن أعلى، خاصة وأن التمويل يأتي من منظمة دولية كاليونيسف، إلى جانب شركاء آخرين كديوان الزكاة وآخرون .
إن تعذُّر الوزارة عن إعلان رقم تقريبي أو تفصيلي للتكلفة، يُضعف ثقة المواطن والإعلام على حد سواء، ويفتح المجال لتساؤلات مشروعة: لماذا يُكشف كل شيء إلا الرقم؟
غير أن المفارقة المُربكة ظهرت حين طُرح سؤال بسيط حول التكلفة الكلية للحملة، ليأتي رد المدير العام ( الوزير الولائي المكلف ) بأن “الأرقام يصعب تجميعها” مبينا انها بالدولار، محيلًا السؤال إلى إدارة تعزيز الصحة (اسلام محمد ). لكنّ التصريح الصادم كان من الجهة المنفذة نفسها، التي قالت مديرتها بالحرف: “لا أستطيع أن أحدد أو أرصد ميزانية الحملة”! فكيف لوزارة تُعد خططًا وميزانيات سنوية تُصدق من الحكومة الاتحادية، أن تعجز عن جمع أو رصد تكلفة حملة وقائية واحدة؟ وكيف تُرفع تقارير الأداء والإنفاق للشركاء والجهات الرقابية إذا كانت الأرقام غائبة الاعلام والجهات ذات الصلة بتنفيذ الحمله ؟
إن غياب مثل هذه التفاصيل الرقمية – في ظل حملة بهذا الحجم والانتشار – ليس فقط مستغربًا، بل يفتح الباب على مصراعيه أمام الشكوك والتكهنات. لا سيما أن المنظمات والجهات الممولة، مثل اليونيسف، تبني قراراتها ومتابعتها بناءً على بيانات دقيقة وشفافة. وإذا كانت الوزارة تتحدث عن تغطية ميدانية ضخمة، وإمدادات وصلت بالكامل، فلا يُفترض أن تعجز عن رصد أو إعلان الميزانية، ولو تقديريًا.
ما يزيد من خطورة الأمر، أن مثل هذا الغموض يُفقد الحملة مصداقيتها أمام المواطنين ويفتح الباب أمام الاتهامات بالتجاوز أو القصور، ويُغذي ضعف الثقة في المؤسسات، خاصة في سياق إنساني مأزوم يعتمد على الدعم الخارجي والمبادرات المجتمعية. والمفارقة أن الوزارة تُشدد في تصريحاتها على أهمية الإعلام في “مكافحة الشائعات” و”نشر الوعي”، بينما تحجب أبسط المعلومات التي يحتاجها الإعلام لأداء دوره.
وفي هذا السياق، نشهد للمدير العام لوزارة الصحة بولاية القضارف بجهوده الكبيرة خلال فترة الحرب، ومشروعاته النوعية التي استهدفت النازحين والمقيمين على السواء، وهي إنجازات مشهودة لا تحتاج إلى ترويج.
لكننا نقول له من منبر الاحترام: زد ملفاتك شفافيةً، فهي ممتلئة بما يستحق الإشادة، ولن يضيرها الوضوح، بل سيزيدها مصداقية. إن غياب المعلومات الرقمية (فيما يختص بالتكاليف المالية ) في مشروعات بحجم هذه الحملة ليس تفصيلاً، بل مظهرًا لفجوة خطيرة في إدارة العمل العام، تحتاج إلى معالجة فورية .