أعمدة الرأي

كلمة ونص…سبناشعبان… العيد في الشجرة.. كلنا جيش

 

كلمة ونص…سبناشعبان… العيد في الشجرة.. كلنا جيش

شبكة مسارب الضي الإخبارية

في صباحٍ بهيّ، استيقظت الشجرة على صوت التكبيرات يتردّد في أرجائها، فتفتحت الأرواح كما تتفتح الزهور بعد مطر طويل، واحتشدت القلوب قبل الأجساد في الساحات والمساجد. إنه عيد الأضحى في الشجرة؛ لكنه ليس كسابقه، بل يحمل نكهة الانتصار، ودفء العودة، ودمعة مختبئة خلف زوايا الفرح.

بعد عامين من الحرب والشتات والقلق، جاء العيد هذه المرة بطعم الحياة. عادت الأضحية إلى البيوت، بكل ما تحمله من بهجة وسكينة وامتداد لصلة الرحم. عاد الناس إلى تجهيزاتهم المعتادة؛ من تنظيف الساحات، وشراء الخراف، وشحذ السكاكين، وتجهيز القدور، وتوزيع الأدوار، وكأنهم يعيدون ترتيب ما تبعثر في وجدانهم بفعل الحرب.

لم تكن صلاة العيد عادية. لقد اكتظت المساجد بالمصلين، وبدت الطرقات مضمخة بالخطى المتوجهة نحو الله، في مشهد يبعث الطمأنينة في النفوس، ويؤكد أن ما انكسر يمكن جبره. التكبيرات تصاعدت في الفضاء، والمصافحات تبادلت بحرارة، والمعايدات انطلقت من كل بيت، كأن الناس يُخرجون من قلوبهم ما علق بها من غبار الأيام القاسية.

ذُبحت الأضاحي أمام البيوت، وتحلق الأطفال يضحكون، وتحركت القدور على الحطب، وتعانق الجيران كما لم يفعلوا منذ زمن. الشجرة لم تكن مجرد مدينة؛ بل بدت كأنها بيت كبير عاد إليه أهله بعد فُرقة، يحتفلون لا ببهجة العيد فحسب، بل بعودة الحياة نفسها.

ورغم أن ملامح الدمار ما زالت حاضرة، وجدران بعض البيوت ما زالت تحمل آثار الحرب، وقد كُتبت عليها عبارات التوثيق العسكرية “تم التمشيط – آمن”، فإن ذلك لم يطفئ فرحة الناس، بل زادها عمقًا. لقد احتفل المواطنون رغم الركام، ورسموا زينة العيد فوق الألم، وأثبتوا أن الفرح في الشجرة ليس مشروطًا بالكمال، بل بالإرادة والصبر وإيمان الناس أن ما بعد العسر يُولد العيد.

وكان اللافت، المهيب، والمؤثر في آنٍ معًا، ذلك المشهد المتكرر: الرجال يرتدون زيّهم العسكري الرسمي حتى في صباحات العيد. الزي لم يكن مجرد لباس، بل كان رسالة، تلخص كل شيء: أن العيد هذا العام يُلبَس على هيئة وطن، وأن الجيش ليس فقط في الخنادق، بل في القلوب، والوجدان، وفي صلب الطقوس اليومية. صار لسان حال الجميع: “كلنا جيش، وكل عيد هو نصر مؤجل، تحقق بعضه وسيتحقق كله.”

حتى الدعوات، في ختام الصلاة، وعلى موائد الإفطار، وفي زوايا الأحاديث بين الأحباب، كانت كلها تتجه صوب أمن الجيش، واستقراره، ونصره القريب.

لكن، ورغم كل الفرح الملوّن، بقيت هناك دمعة في الزاوية الأخرى من القلب. فثمة منازل ما تزال مغلقة، وثمة وجوه لم تعد بعد. كان للحزن مقعدٌ خافت في خلفية المشهد، يُذكّرنا بأننا لا نحتفل لأننا نسينا، بل نحتفل رغم أننا نتذكر.

العيد في الشجرة هذه المرة لم يكن مجرد مناسبة دينية، بل إعلان حياة، وصمود، ووحدة. هو تذكير بأننا ما زلنا هنا، رغم كل شيء، وأننا قادرون على أن نفرح، وأن نضحك، وأن نلبس الجديد، ونأكل الأضحية، ونتبادل المعايدات، لأن في ذلك تحدٍ للموت، وردٌ صادق على الحرب: نحن أقوى، لأننا لا نزال نحتفل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى