
راديو المجتمع بولاية القضارف.. صوت الناس بلغاتهم
إعداد: سبنا شعبان | شبكة مسارب الضي الإخبارية
مدخل: الإعلام المجتمعي كأداة للتغيير
في ولاية القضارف، حيث تتنوع الثقافات واللغات، يبرز “راديو المجتمع” كتجربة إعلامية فريدة تهدف إلى تعزيز التنمية، نشر الوعي، وإيصال صوت المجتمعات المحلية بأسلوب تفاعلي شامل. المشروع، المدعوم بنسبة 60% من اليونيسيف و40% من وزارة المالية، نجح في سد الفجوة بين المواطنين وصناع القرار عبر تقديم محتوى يناقش القضايا الحيوية بلغة مفهومة للجميع، مما جعله نموذجًا متميزًا في الإعلام المجتمعي بالسودان.
الرؤية والتأسيس
جاءت فكرة “راديو المجتمع” كمبادرة من المنسقية العامة للراديو، مستندة إلى منهجية واضحة تقوم على الاستماع، المشاركة، واتخاذ القرار. ولضمان تمثيل شامل، تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين (رجالية ونسوية) حيث يتم جمع آراء المواطنين وتحويلها إلى رسائل تصل إلى الجهات المعنية، بمتابعة المنسقين الجغرافيين. كما يضم المشروع فريقًا من 10 خبراء من مختلف المجالات، يعملون على بناء لجان تنموية داخل القرى والمجتمعات المحلية لتحسين الخدمات الأساسية وتعزيز الوعي المجتمعي.
الإعلام المجتمعي بلغات متعددة.. تعزيز الهوية والانتماء
“راديو المجتمع” ليس مجرد وسيلة إعلامية، بل هو منصة تعكس التنوع اللغوي والثقافي في ولاية القضارف. يتم تقديم المحتوى بخمس لغات محلية:
العربية العامية ، الفولانية ، الهوسا ،الزبرما ، المساليت والبني عامر
هذا التنوع جعل البرنامج أكثر تأثيرًا في سلوكيات المستمعين، حيث تصل الرسائل الإعلامية بطريقة مفهومة، تعزز التفاعل، وتكسر الحواجز اللغوية.
تقول الأستاذة سلمى غبوش، ( إحدى مقدمي البرنامج باللغة العامية ):
إحنا في راديو المجتمع بنحاول نكون صوت لكل زول، بنسلط الضوء على القضايا المحلية، وبنخلي المواطنين يشاركوا بآرائهم وأفكارهم. دا راديوكم وانتو البتصنعوه بمشاركتكم واقتراحاتكم.”
ونجد ان “الحاجة لبرنامج زي دا كانت كبيرة، لأنو في مواضيع كتيرة بتهم المجتمع، لكن مرات بتضيع عشان اللغة ما بتكون مفهومة لكل الناس. نحنا هنا بنحاول نقرب المسافات وننقل المواضيع المهمة بطريقة بسيطة وسلسة، بحيث كل زول يلقى نفسو فيها.”
وعن اهمية اللغة العامية تضيف سلمي :
● تسهيل الفهم والتواصل: اذ تساعد اللغة العامية في تقديم المعلومات بأسلوب مباشر دون تعقيد، مما يسهل استيعابها.
● كسر الحواجز الثقافية واللغوية و تعد اللهجة المشتركة أداة فعالة لإيصال الرسائل دون أن يشعر أي طرف بالإقصاء.
● تعزيز التفاعل والمشاركة لأن الجمهور يشعر بأن البرنامج يعبر عنهم، مما يشجعهم على التفاعل والمشاركة في النقاشات.
● خلق بيئة ودية اذ ان المستمعون يكونون أكثر تقبلًا للمعلومات عندما تأتيهم بلغة مألوفة، مما يساعد في بناء علاقة ثقة بينهم وبين فريق الإذاعة.
أثر البرنامج على القضايا التنموية والخدمية
1. التعليم والمياه: تحسين الخدمات الأساسية
ساهم “راديو المجتمع” في دعم قطاع التعليم عبر حملات توعوية شجعت على إنشاء مدارس جديدة، كما ساهم في تحسين مشروعات المياه عبر توفير مضخات وحفائر بمواصفات تناسب احتياجات المناطق المختلفة، بناءً على دراسات ميدانية من وزارة المالية.
2. تعزيز التعايش السلمي والصحة البيئية
قدم البرنامج محتوى يعزز التفاهم بين المجتمعات المختلفة، ويناقش قضايا الصحة البيئية، التعليم، والتنمية الريفية. كما لعب دورًا مهمًا في معسكرات النازحين، مثل معسكر حي المطار، عبر نشر رسائل توعوية تعزز قيم التكافل والتعايش السلمي.
دور البرنامج في تمكين المجتمعات المحلية
“راديو المجتمع” يتيح الفرصة لكل فئات المجتمع للتعبير عن قضاياهم. نستعرض بعض إفادات المستفيدين من البرنامج:
1. مجتمع الفلاته – إفادة الأستاذ عمر محمد شواء
“البرنامج بيساعد الفلاته يفهموا القضايا المهمة بطريقة مباشرة، وبيفتح ليهم فرصة يعبروا عن مشاكلهم ويتناقشو فيها مع بعض.”
إيصال المعلومات بطريقة سلسة ومفهومة، مما يسهل الاستفادة منها.
تعزيز مشاركة الفلاته في النقاشات المجتمعية من خلال لغتهم الأصلية.
دعم قضاياهم الخاصة في مجالات الصحة، الزراعة، والتعليم.
2. مجتمع المساليت – إفادة الأستاذ أبو القاسم محمد إبراهيم
“راديو المجتمع بيتيح لي أهل المساليت فرصة لفهم القضايا المهمة بلغتهم والتعبير عن رأيهم، خاصة في المواضيع البتهم حياتهم اليومية.”
توصيل المعلومات الهامة بلغة بسيطة ومفهومة للجميع.
تعزيز الحوار المجتمعي داخل القبيلة حول القضايا الحيوية.
إعطاء مساحة لأفراد المجتمع للتعبير عن آرائهم والمشاركة في النقاشات.
3. مجتمع الهوسا – إفادة الأستاذ سهيل يحي
“البرنامج بيوصل المعلومات بطريقة تخلي كل زول في مجتمع الهوسا يفهم المواضيع المطروحة، وبيساعد في نشر الوعي وسط الناس، خاصة في الريف والمناطق البعيدة.”
تمكين أفراد المجتمع من فهم القضايا المجتمعية بلغتهم الأم.
تعزيز مشاركة الهوسا في الحوارات العامة حول القضايا المهمة.
خلق منصة لمناقشة المشاكل المحلية وإيجاد حلول لها.
4. مجتمع الزبرما – إفادة الأستاذ بابكر
“البرنامج بيساعد مجتمع الزبرما في الوصول إلى المعلومات الضرورية بلغة يفهموها، ودا مهم عشان يكونوا جزء من النقاشات المجتمعية.”
تسهيل وصول المعلومات لأفراد مجتمع الزبرما في مناطقهم المختلفة.
تحفيزهم للمشاركة في القضايا العامة التي تهمهم.
تعزيز الشعور بالانتماء داخل الولاية.
5. مجتمع البني عامر – إفادة الأستاذ علي إبراهيم
“البرنامج دا مهم جدًا لأهل البني عامر، لأنو بيتيح ليهم فرصة إنهم يتكلموا عن مشاكلهم ويشاركوا في النقاشات بلهجتهم الخاصة.”
تعزيز دور البني عامر في النقاشات المجتمعية عبر لغتهم.
إيصال المعلومات بطريقة تناسب احتياجاتهم وظروفهم.
تمكينهم من التعبير عن قضاياهم بحرية.
إفادات مستمعي “راديو المجتمع”
إفادة من أحد المستمعين:
“والله الراديو ده ساعدنا شديد، خصوصًا في نشر المعلومات الزراعية والتنموية. بنستفيد من البرامج التوعوية، خاصة في الصحة والتعليم. وكمان بيدينا فرصة نعبر عن مشاكلنا ونلقى الحلول من المسؤولين.”
إفادة من أحد المسؤولين في البرنامج :
“راديو المجتمع في القضارف بيلعب دور مهم في نشر التوعية، وبيسهم في التنمية المحلية عبر تقديم معلومات مفيدة للمزارعين، الشباب، والنساء. دا غير إنه بيساعد في تعزيز الحوار بين المواطنين والمسؤولين.”
التحديات والمناشدة لدعم البرنامج :
ورغم النجاحات الكبيرة التي حققها “راديو المجتمع”، إلا أن المشروع يواجه تحديات عديدة، أبرزها عدم استقرار الإدارة، مما يؤثر على استمرارية المبادرات. في هذا السياق، يؤكد د. جمال الدين محمد أبكر إبراهيم، منسق البرنامج ، أن استمرارية المشروع تعتمد على توفير دعم مستدام، سواء على المستوى الرسمي أو المجتمعي.
يقول د. جمال الدين:
“الإعلام المجتمعي ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل هو جسر يربط بين المواطنين والمسؤولين، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة. لقد نجح راديو المجتمع في الوصول إلى الفئات الأكثر تهميشًا، ونقل قضاياهم بلغة يفهمونها، لكنه يواجه تحديات تهدد استمراريته. أبرز هذه التحديات تتمثل في نقص الموارد المالية، وعدم استقرار الإدارة، مما يؤثر على استدامة العمل الإعلامي وعلى قدرة الراديو في توصيل الرسائل بفعالية.”
ويضيف د. جمال الدين:
“نحن نؤمن بأن الإعلام المجتمعي يمكن أن يكون أداة حقيقية للتغيير إذا تم دعمه بشكل مستدام. لذلك، نناشد الحكومة والمنظمات المحلية والدولية، وكذلك القطاع الخاص، للاستثمار في هذا النموذج الإعلامي الفريد. الدعم المستدام سيمكننا من تطوير المحتوى ليكون أكثر تخصصًا، وإنتاج برامج تعزز الوعي الصحي، البيئي، والتعليمي بطرق أكثر تأثيرًا. كما أننا بحاجة ماسة إلى توسيع نطاق البث ليشمل المناطق النائية، حيث تظل الحاجة لمثل هذه المبادرات الإعلامية ماسة.”
“إذا استطعنا تأمين التمويل اللازم، يمكننا ليس فقط ضمان استمرارية الراديو، بل أيضًا توسيع نطاق عمله ليشمل مبادرات أكثر تأثيرًا، مثل إنتاج برامج موجهة للأطفال، والشباب، والنساء، وتقديم محتوى يخاطب القضايا الملحة بطرق مبتكرة وتفاعلية. كما أننا نطمح إلى إدخال تقنيات جديدة لتحسين جودة البث، وضمان وصول المعلومات إلى أكبر شريحة من المواطنين، بغض النظر عن أماكن تواجدهم.”
“راديو المجتمع مشروع مجتمعي بامتياز، ولنجاحه، يجب أن يكون المجتمع جزءًا أساسيًا من استمراريته. ندعو الجميع للمساهمة، سواء عبر التمويل، أو الدعم الفني، أو حتى المشاركة بالمحتوى. هذا الراديو هو صوتكم، ويجب أن يكون مستمرًا ليظل أداة فاعلة في خدمة قضاياكم.”
إن “راديو المجتمع” نموذج حقيقي للإعلام الذي يخدم الناس، ويعكس احتياجاتهم، ويتيح لهم مساحة للتعبير والمشاركة. ومع استمرار الدعم والتعاون بين كافة الأطراف، يمكن لهذا المشروع أن يصبح نموذجًا رائدًا للإعلام المجتمعي في السودان، يسهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا وتماسكًا.
موظف يشيد بالبرنامج ويبرز دوره في تواصل المجتمعات.
يُشيد الاستاذ ياسر احمد(أحد منسوبي وزارة المالية)، بالدور الرائد الذي يلعبه راديو المجتمع بولاية القضارف في تعزيز الوعي المجتمعي ونشر المعرفة بين المواطنين، خاصة في القضايا المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأكد أن الإذاعة تُعد منصة حيوية للتواصل المباشر مع أفراد المجتمع، مما يسهم في تحسين مستوى الوعي وتعزيز المشاركة الشعبية في مختلف المبادرات الحكومية والخدمية.
وأشار الاستاذ ياسر احمد إلى أهمية دعم مثل هذه الوسائل الإعلامية الفاعلة من خلال تخصيص ميزانية مقدرة من الدولة لضمان استمرارية برامجها وتطوير محتواها بما يتماشى مع الأهداف الوطنية. وأضاف أن الاستثمار في الإعلام المجتمعي يعزز من وصول المعلومات الدقيقة إلى المواطنين، مما يساعد في تحقيق مبادئ الشفافية والتنمية المستدامة التي تسعى الدولة إلى ترسيخها.
خاتمة: الإعلام المجتمعي كرافد للتغيير والتنمية:
أثبتت تجربة “راديو المجتمع” أن الإعلام يمكن أن يكون أداة قوية في تحفيز التنمية وتعزيز الوعي، خاصة عندما يخاطب الناس بلغتهم ووفقًا لاحتياجاتهم. ومع استمرار دعم الشركاء، يطمح المشروع إلى توسيع نطاق البث، تطوير المحتوى، وزيادة التفاعل مع المجتمعات المحلية، ليظل صوتًا صادقًا للمواطنين، يعكس قضاياهم ويسهم في إيجاد حلول لها.
“راديو المجتمع”.. صوت الناس بلغاتهم.. لينقل قضاياهم.. ويساهم في إيجاد حلول لها.